يوسف بن تاشفين موحد المغرب و منقذ الأندلس
هو يوسف بن تاشفين بن إبراهيم ، وكنيته أبو يعقوب، وهو ثاني ملوك دولة المرابطين، وقد اتَّخذ لقب أمير المسلمين، ويعتبر أعظم ملك مسلم في وقته ينتمي الى قبيلة لمتونة وهي إحدى قبائل صنهاجة الأمازيغية ، اعتنقت قبيلته الإسلام وأسست دعوة باسم "دولة الرباط والإصلاح" فنشروا المذهب المالكي السنيّ في أنحاء إفريقيا، ثمّ حاربوا العديد من القبائل الأخرى غير المسلمة وأخضعوا غرب إفريقيا.
إمارة دولة المرابطين
تولى يوسف بن تاشفين إمارة دولة المرابطين بعد أن تنازل له ابن عمه الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني عن الملك، واستطاع إنشاء ولاية إسلامية تمتد بين مملكة بجاية شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، وما بين البحر المتوسط شمالًا حتى السودان جنوبًا. بعد أن وحد المغرب بعد أن غزى بلاد جزولة، وفتح ماسة، ثم سار إلى تارودنت قاعدة بلاد السوس وفتحها، وكان بها طائفة من الشيعة البجليين نسبة إلى مؤسسها علي بن عبد الله البجلي، فقتل المرابطون أولئك الشيعة، وتحول من بقي منهم على قيد الحياة إلى مذهب أهل السنة والجماعة.
إمارة دولة المرابطين |
عبور يوسف بن تاشفين إلى الأندلس
عقب استيلاء ألفونسو السادس، ملك قشتالة، على طليطلة سنة 478هـ (1085م) وتهديده ملوك الطوائف بالويل والفناء، استصرخ أهل الأندلس إخوانهم فى المغرب، وطلبوا العون والنجدة منهم، من «يوسف بن تاشفين» أميرً دولة المرابطين .
عارض الكثير من ملوك الطوائف فكرة الاستنصار بالأمير الأمازيغي، ابن تاشفين، خشية أن يسلب منهم الحكم بعد أن ينصرهم؛ ليخرج المعتمد ابن عبّاد مخاطبًا ملوك الطوائف بجملة شهيرة: «رعي الجمال خير من رعي الخنازير»، قصد بها أن يصبح أسيرًا لدى أمير المسلمين، أفضل من أن يصبح أسيرًا عند ألفونسو.
في هذه المرحلة أرسل عدد من ملوك الطوائف رسالةً لابن تاشفين يستدعونه فيها لقيادة الجهاد ضد ألفونسو السادس، واستجاب لهم ابن تاشفين الذي كان في ذلك الوقت يتجاوز 70 عاماً. نزل بجنوده مدينة الجزيرة الخضراء، بعدما تبادل المراسلات مع ألفونسو، حين دعاه للإسلام أو الاستسلام ودفع الجزية،وجاء في رسالة بعث بها يوسف إلى ألفونسو: «بلغنا يا ألفونسو أنك دعوت إلى الاجتماع بنا، وتمنيت أن تكون لك سفن تعبر بها إلينا، فعبرنا إليك، وقد جمع الله تعالى في هذه الساحة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال)».
ولما وصل كتاب يوسف إلى ألفونسو لم يستجب لدعوته، وقال للرسول الذي حمل الرسالة: «إن صاحبكم يوسف بن تاشفين قد تعنى من بلاده وخاض البحور، وأنا أكفيه العناء فيما بقي ولا أكلفكم تعبًا، أمضي إليكم وألقاكم في بلادكم رفقًا بكم وتوفيرًا عليكم».
معركة الزلاقة
كان معتادًا في مثل هذه الحالات، واستنادًا لبعض الأعراف المتبعة في تلك العصور أن يحدد يوم المعركة بموافقة الطرفين، وكان وصول ألفونسو أرض المعركة في شهر رجب من عام 479 هـ الموافق لشهر أكتوبر من عام 1086، فلما أصبح يوم الخميس أرسل ألفونسو رسالةً يقترح فيها تحديد يوم الإثنين ميعادًا للمعركة بين الطرفين، وكان المسلمون ومع إحساسهم بأن ألفونسو إنما أراد من يوم الإثنين الغدر والخديعة، إلا أنهم وافقوا على اقتراحه بعد أن ضاعفوا الحراسة وأخذوا الاحتياطات الازمة، وبثوا عيونهم وطلائعهم يترصدون أي حركة للعدو، وهذا ما أثبته يوسف بن تاشفين في رسالته إلى المعز بن باديس صاحب أفريقية، وذلك بعدما انتصر في الزلاقة: «فوقع الاتفاق بيننا وبينه على الملاقاة يوم الإثنين، وقال ألفونسو: الجمعة عيد المسلمين، والسبت عيد اليهود، وفي معسكرنا منهم خلق كثير، والأحد عيدنا، فافترقنا على ذلك، وأضمر اللعين خلاف ما شرطناه، وعلمنا أنهم أهل خداع ونقض عهود، فأخذنا أهبة الحرب لهم وجعلنا عليهم العيون».
وضع ابن تاشفين خطّته المُحكمة على ثلاث مراحل، وقسّم الجيوش لثلاثة جيوش، ما استطاع من خلاله استخدام عنصر المفاجأة لجيش ألفونسو، فقد شعر ألفونسو بأن النصر قريب بعدما استطاع أن يوقع العديد من الخسائر المادية والبشرية في صفوف مقدمة جيش المرابطين الذي كان بقيادة ملك إشبيلية المعتمد بن عبّاد وداؤود بن عائشة وهو أحد قادة جيش المرابطين المشهورين.
كان عنصر المفاجأة عندما نزل ابن تاشفين أرض المعركة، مع نخبة الجيش المرابطيّ وحرسه الخاص الذي كان يبلغ حينها 4 آلاف مقاتل أشدّاء، هجموا من الخلف على معسكر ألفونسو، فأصبح ألفونسو الآن بين شقيّ رحى: جيش المعتمد بن عباد وجيش ابن تاشفين، وقد أصيب ألفونسو إصابةً بالغة في فخذه ظلّ يعرجُ بسببها طوال عمره.
حسب بعض الروايات فقد استطاع ألفونسو الهرب بخمسمئة فارسٍ فقط من إجمالي 80 ألف مقاتل دخل بهم المعركة، بالطبع لم يقتلوا جميعاً، فبعض المصادر المتوافرة تشير لحوالي 24 ألف قتيل، عاد ألفونسو منهزماً، فرفع الحصار عن كبريات الدويلات المسلمة في الأندلس، وتراجع كثيراً، حينها فقط عاد يوسف بن تاشفين للمغرب لأنّ وليّ عهده توفي في المغرب.
معركة الزلاقة |
وفاته
عاد يوسف بن تاشفين بعدها ثلاث مرّات للدفاع عن الأندلس إثر محاولات ألفونسو الانتقام من ملوك الأندلس لتعاونهم معه، كانت آخر مرّة عبر فيها إلى الأندلس لحمايتها من الحملات الصليبية سنة 496هـ 1103م للدفاع عن مدينة بلنسية، إلى أن توفي يوم الاثنين الثالث من محرم سنة 500هـ (سبتمبر سنة 1106م) وقد بلغ من العمر نحو 100 عام.
ضريح يوسف بن تاشفين بمراكش |
وقبيل وفاته عَهِدَ بالولاية من بعده لأصغر أبنائه عليّ بن يوسف بن تاشفين واستوثق من الأمراء والقادة والفقهاء على موافقتهم، وأصبح ابنه عليّ خليفته في حكم دولة المرابطين واستمرّ على عهد أبيه من الجهاد في الأندلس حتى وفاته.
إستطاع يوسف ابن تاشفين أن يؤخر سقوط الأندلس 4 قرون أخرى بعد موقعة الزلاقة بعد أن ملك المرابطون مابقي من بلاد الأندلس، ولم يبقى لملوك الطوائف ذكر بها، وأصبحت الأندلس تحت سلطة المرابطين، وانتهى عصر ملوك الطوائف فيها .
التعليقات على الموضوع