المسيرة الخضراء نداء ملكي و إستجابة شعبية
"غدا إن شاء الله ستخترق الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة، غدا إن شاء الله ستطؤون أرضا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستُقَبّلون أرضا من وطنكم العزيز".
مقتطف من خطاب الملك الراحل الحسن الثاني الشهير والاستثنائي الذي ألقاه مساء يوم 5 نوفمبر 1975 من مدينة أكادير ، معطيا إشارة انطلاق الزحف لنحو 350 ألف مدني مغربي تطوعوا من جميع أنحاء البلاد استجابة لنداء الملك القاضي باسترجاع الجزء الجنوبي من تراب البلاد، والذي كان لا يزال تحت الاستعمار الإسباني رغم مرور 20 سنة عن انتهاء معاهدة الحماية .
وقد وضعت هذه المسيرة السلمية حدا لنحو 75 سنة من الاستعمار والاحتلال المرير لهذه الأقاليم ومكنت المغرب من تحقيق واستكمال الجزء الأكبر من وحدته الترابية.
فبعد أن بتت محكمة العدل الدولية في ملف المغرب، وجاء رأيها الاستشاري معترفا للمغرب بحقه في صحرائه مؤكدا على وجود روابط قانونية وروابط بيعة متجذرة كانت دائما قائمة بين العرش المغربي وأبناء الصحراء المغربية، أعلن جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه عن تنظيم مسيرة خضراء لاسترجاع الصحراء وتحريرها .
وقد جاءت المسيرة الخضراء لتضع حدا فاصلا مع منطق الحرب وأسلوب المغامرة. وحرصا من جلالة المغفور له الحسن الثاني على تجنيب المنطقة حربا مدمرة اتخذ قراره الحكيم القاضي بتنظيم مسيرة خضراء والداعي إلى نبذ العنف واللجوء إلى الحوار لتسوية النزاعات.
و في إطار نبذ العنف و اللجوء الى السلم وجه الملك الراحل الحسن الثاني مجموعة من التوجيهات لشعبه هي كالاتي :
اولا شعبي العزيز، بمجرد أن تخترق الحدود، عليك أن تتيمم على الصعيد الطاهر بتلك الرمال، ثم تستقبل القبلة وتصلي بأحذيتك -لأنك مجاهد- ركعتين لله تعالى كما قال الفقهاء: "فإذا الحُسن بدا فاسجد له، فسجود الشكر فرض يا أخي".
ثانيا شعبي العزيز، عليك أن تعلم أن هذه المرحلة من المسيرة ليست كسابقاتها، هذه المرحلة تستلزم منك ضبطا أكبر ونظاما أكثر، فعليك أن تكون مطيعا سامعا للذين هم يؤطرونك حتى يمكننا أن نسير بمسيرتنا إلى الهدف المطلوب.
ثالثا شعبي العزيز، إذا ما لقيت إسبانياً كيفما كان عسكريا أو مدنيا، فصافحه وعانقه واقتسم معه مأكلك ومشربك وأدخله مخيمك، فليس بيننا وبين الإسبان غل ولا حقد، فلو أردنا أن نحارب الإسبان لما أرسلنا الناس عزلا بل لأرسلنا جيشنا باسلا، ولكننا لا نريد أبدا أن نطغى ولا أن نقتل ولا أن نسفك الدماء، بل نريد أن نسير على هدى وبركة من الله في مسيرة سلمية"
كانت هذه التوجيهات الملكية خير دليل على رغبة المغرب بإيقام مسيرة سلمية لاسترجاع أراضيه دون الدخول في الحرب .
أحداث المسيرة ونجاحها
بلغ عدد المغاربة الذين شاركوا في المسيرة الخضراء 350,000 مواطن من بينهم 10 في المائة من النساء، من جميع مناطق المغرب، إضافة إلى مشاركة وفود كل من المملكة العربية السعودية، والأردن، وقطر، والإمارات، وسلطنة عمان، والسودان، والغابون والسنغال، والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي. وكان اختيار الملك الحسن الثاني لعدد المشاركين المغاربة يساوي عدد الولادات بالمغرب في تلك الفترة.
في الحقيقة لم يكن الأمر صعبا على الملك لإقناع المواطنين المغاربة بالذهاب إلى الصحراء، فالعلاقة الوطيدة بين العرش والشعب و الحب والاحترام اللذان يتمتع بهما لدى أفراد الشعب ارتقى بذلك إلى مستوى الواجب الوطني الكبير، وما كان لقائد آخر أن يتمكن من جمع تلك الأعداد من المتطوعين بسهولة وفي وقت قياسي، إلا أن تكون له منزلة رفيعة في قلوب شعبه، و يحظى بحظ كبير من الحب والاحترام .
لقد تسلح المتطوعون في المسيرة بالقرآن، ولم يُحمل خلالها أي سلاح، تأكيداً على أنها مسيرة سلمية، وانطلقت المسيرة بقدر كبير من الانتظام والدقة والتنظيم اللوجستيكي اللافت، فعبرت المسيرة الخضراء حدود الصحراء، تحت ردود فعل عالمية وإقليمية متباينة، أما إسبانيا فقد عارضتها، وطلبت عقد اجتماع لمجلس الأمن لمواجهتها، كما أعلنت من خلال مندوبها في مجلس الأمن، أن المسيرة الخضراء هي زحف عسكري مسلح، ولذلك فقد حركت أسطولها البحري إلى المياه الإقليمية المغربية، كما أعلنت أنها قامت بزرع الألغام على مناطق واسعة من الصحراء.
وبعد نجاح المسيرة الخضراء على المستوى الشعبي والإقليمي والعالمي، وتوغل المتطوعين المغاربة في الأراضي الصحراوية المغربية، اضطر الإسبان إلى العدول عن موقفهم المناوئ للمغرب والبحث عن حل لمشكلة الصحراء، فبدأت اتصالاتهم بالمغرب، ما دفع الملك الحسن الثاني إلى إصدار أمره بعودة المتطوعين في المسيرة إلى طرفاية مؤقتاً، حتى يتم التوصل إلى حل سلمي للمشكلة، وقد ورد في كتاب “ذاكرة ملك”، أن الصحفي الفرنسي إريك لوران سأل الملك الحسن الثاني، في أي وقت بالضبط قررتم وقف المسيرة الخضراء؟ فأجاب جلالته: “في الوقت الذي أدركت فيه جميع الأطراف المعنية أنه يستحسن أن تحل الدبلوماسية محل الوجود بالصحراء”.
وفي 9 نونبر 1975، أعلن الملك الحسن الثاني أن المسيرة الخضراء حققت المرجو منها وطلب من المشاركين في المسيرة الرجوع إلى نقطة الانطلاق مدينة طرفاية.
ومن نتائج حدث المسيرة الخضراء الذي أصبح من العلامات الفارقة في تاريخ المغرب الحديث، قبول إسبانيا إجراء المفاوضات والوصول إلى اتفاقية مدريد الموقعة يوم 14 نوفمبر 1975، وهي الاتفاقية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي بموجبها دخل المغرب إلى العيون سلميا، وانسحاب الإدارة الإسبانية من المنطقة يوم 26 فبراير 1976 قبل يومين من الموعد المحدد في اتفاقية مدريد الذي كان 28 فبراير.
تخليد ذكرى المسيرة الخضراء
قسم المسيرة الخضراء
«اقسم بالله العلي العظيم أن أبقى وفيا لروح المسيرة الخضراء مكافحا عن وحدة وطني من البوغاز إلى الصحراء، اقسم بالله العلي العظيم أن ألقن هذا القسم أسرتي وعرتي في سيري وعلانيتي، والله سبحانه هو الرقيب على طويتي وصدق نيتي»
نشيد المسيرة الخضراء
صوت لحسن ينادي بلسانك يا صحراء
فرحي يا ارض بلادي ارضك صبحت حرة
مرادنا لازم يكمل بالمسيرة الخضراء
مسيرة ام و شعب باولاده و ابناته
شعارها سلم و حب و الغادي سعداته
حاملين كتاب الله و طريقنا مستقيم
اخوانا في الصحراء يسالونا الرحم
ياقاصدين الصحراء ابوابها مفتوحة
مسيرتنا الخضراء نتيجة مربوحة
فيها امن و سلام تاريخ مجد الوطن
بلا حرب بلا سلاح معجزة الزمان
mawdu3 jayid
ردحذف